الغش والاستعمال المفرط للمبيدات الحشرية والسقي بمياه مستعملة تطال الخضر والغلال و زيت الزيتون هل أصبحت صحة التونسي في خطر؟

الغش والاستعمال المفرط للمبيدات

تداول بالنشر والتعليق رواد مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب فيديوهات

تبين نتيجة تحليل عينات من الخضر والغلال والمياه المعلبة وزيت الزيتون
المعلب. هذه التحاليل قام بها طبيب تونسي باستعمال جهاز تحليل متطور
ومعروف عالميا. وكانت النتيجة صادمة خاصة للبطيخ والدلاع اللذين تبين
انهما يحتويان على كمية كبيرة من المواد الكميائية الخطيرة على صحة
المستهلك تتجاوز النسبة المسموح بها بأكثر من 70 بالمائة.

هذه التحاليل التي اجراها الطبيب التونسي جعلت شريحة واسعة من المجتمع
التونسي تندد وتشتكي من تنامي ظاهرة الغش. حيث أكد أكثر من طرف أن الغش
في تونس طال كل المجالات وكل الميادين (الصناعية والتجارية وحتى قطاع
الخدمات وخاصة مجال إصلاح السيارات والمواد الكهرومنزلية مؤكدين ان
اكثرها خطورة تلك التي طالت المواد الغذائية والغلال والمياه المعدنية
التي اظهر التحليل المشار اليه سابقا ان معظمها تحتوي على نسب عالية من
التلوث وغير صالحة للشراب مثلها مثل مياه الحنفية كما ان بعض المواد
الغذائية الأخرى كزيت الزيتون والحليب والياغورت لم تسلم من الغش
والإضافات غير الصحية باستثناء بعض الأنواع القليلة التي لم يطلها الغش
…)

وللإشارة فان ظاهرة الغش عانى من استفحالها التونسي منذ سنوات خلت. و
لفهم خصائص جرائم النصب والاحتيال قامت احدى الدراسات بجمع 55 قضيّة من
هذا النوع تم ارتكابها و تداولتها الصحف التونسيّة قبل سنتين من الان ،
أدين فيها 120 متّهما ومتّهمة. وتظهر من خلال قراءتها أهم مميّزات
المحتال أو “النصّاب” والتي نستخلص منها أنه بالنسبة لمعدّل السن، سجل
هيمنة واضحة للكهول مقارنة بالفئات العمريّة الأخرى، إذ بلغ عددهم ال58
متّهما أي بمعدّل 70.83% من جملة المتّهمين في قضايا التحيّل والنصب.

وفيما يتعلّق بالجنس فقد لوحظ ضعف عدد الجرائم المرتكبة من قبل الإناث،
إذ لم تتجاوز نسبتها ال 9.16%، وظلّ نشاط تحيّلها مقتصرا على انتحال صفة
عرّافة أو المشاركة في التحيّل على المؤسسات والشركات

الغش القاتل  يطال جميع المواد

جزار يذبح خنزيرا, وآخر يذبح الحمير ويبيعها على أساس أنها لحوم حمراء
عادية وأصحاب مخازن يكدسون اللحوم الفاسدة ليتم تحويلها فيما بعد إلى
“سلامي ومرقاز” وغيرها من أشكال اللحوم المصبرة. وصاحبة مخزن  تحتفظ
بمادة البطاطا المعدة للقلي في ظروف غير صحية ولا تتوفر فيها النظافة
وتضعها في أحواض متسخة لتسويقها للمطاعم ليأكلها المستهلك دون أن يدرك
كيف وقع إعدادها وأين تم الإحتفاظ بها قبل أن يستهلكها بشراهته المعهودة,
وصاحب مصنع حلويات يخزن “القاتو” طيلة أشهر لبيعه خلال رأس السنة
الميلادية, وتاجر آخر يخلط الهريسة العربي بالصبغة والفلفل بالآجر
والحليب بالجير… وغيرها من الطرق المعتمدة في الغش. عناوين ومشاهد تم
تداولها سواء في وسائل الاعلام او عبر شبكات التواصل الاجتماعي من قبل
ومازالت تتداول بين الفترة والأخرى وكلها تبين ان صحة التونسي أصبحت في
خطر إن لم يقع الحد من هذه الظاهرة المنتشرة في مجتمعنا منذ زمن طويل
واستفحلت خلال السنوات الماضية نتيجة الفوضى وغياب الامن والضعف الذي طال
جميع المؤسسات الرقابية بعد سنة 2011.

هذا دون نسيان القطاعات الأخرى التي طالها الغش والتي تستهدف صحة الإنسان
كالغش في مواد التنظيف والشامبو والعطورات. هذا الكم الهائل من الغش
والتحول الفظيع والوضيع في سلوك المواطن التونسي الذي أعمته المادة
وأفقدته الأموال عقله وأذهبت أخلاقه, ماهي أسبابه وكيف يمكن انقاذ ما
يمكن إنقاذه حتى لا يتهاوى مجتمعنا في قرار سحيق من الفساد وعدم الثقة
والتردي الأخلاقي؟

شكاوى الغش والتحيل بالألاف

في تصريحات سابقة لمختلف وسائل الاعلام الوطنية بينت المنظمة الوطنية
للدفاع عن المستهلك أن ظاهرة الغش والتحيل في ازدياد وأن المنظمة تتلقى
يوميا شكاوى كثيرة من المواطنون يشتكون من تعرضعهم للغش والتحيل من قبل
التجار و مزدي الخدمات وتعرضهم للغش من قبل بعض أصحاب المعارض
والمستشهرين في القنوات التلفزية الذين يعرضون بضائعهم ويتغنون بفوائدها
وفي النهاية يجد المستهلك نفسه ضحية التحيل والغش وان المواد التي
اقتناها لم تكن في مستوى انتظاراتهم ولا تحتوي على فوائد تذكر.

كما أن المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك تتلقى سنويا بين 17 ألف و18
ألف شكوى تتعلق بالغش والتحيل, وأن 95 % منها يقع حلها وديا عن طريق
المنظمة دون الوصول إلى أروقة المحاكم. وأن النسبة الكبرى من هذه الشكاوى
تتعلق بالغش في مجال الموبيليا والأثاث حيث يعمد عدد من العارضين إلى عرض
سلع ممتازة الصنع وعالية الجودة لاقناع المستهلك الذي يسارع إلى حجز هذه
البضائع وانتظار استلامها من المصنع لكنه يتفاجأ بقطع أثاث متدنية الجودة
عند الاستلام. كما يكثر خلال الاحتفالات برأس السنة الغش وخاصة في ما
يتعلق بالمرطبات واللحوم البيضاء حيث يتم حجز قرابة 20 ألف طن سنويا من
الدجاج الفاسد والمرطبات الفاسدة التي يقع تخزينها بطريقة غير صحية.

عقوبات الغش

العقوبات القانونية للغش تتمثل في الخطايا المالية والعقوبات السجنية
التي تتراوح من يوم إلى خمس سنوات سجن لكن للأسف هناك اكتفاء بالخطايا
وفي غالب الاحيان يتجه الجميع إلى المصالحة.

فإلي حد الآن لم نسمع عن إحالة شخص متهم بالغش  على الدائرة الجناحية ولم
نسمع بأي حكم صدر ضد هؤلاء الذين وقع ضبطهم يمارسون الغش. وما دام الأمر
على ماهو عليه ومادام لم يقع تطبيق القانون واعتبار عمليات الغش عمليات
إجرامية لا يمكننا القضاء على الغش  وسيستفحل أكثر.

فحتى الفضاءات التجارية الكبرى لا تخلو من الغش  خاصة في اللحوم المجمدة
والسمك المجمد حيث يقع التلاعب بتواريخ الصلوحية كما لا يقع التنصيص على
أن اللحوم والأسماك مجمدة ولا ينبغي تجميدها مرة أخرى والنتيجة تكون تعرض
المستهلك للتسممات الغذائية الخطيرة في صورة إعادة تجميدها. وهذا الأمر
يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.

 

غياب الوازع الديني .. والردع هو الحل

يرى أحد الشيوخ المختصين في المسائل الدينية أن وجود الغش وتفشيه بهذه
الطريقة الرهيبة يعود بالأساس إلى سبب رئيسي وهام ألا وهو ضعف الوازع
الديني لدى الكثير من التجار. وهذا طبعا يؤدي إلى ارتكاب مثل هذه
الممنوعات وعلى رأسها الغش وخاصة وان الدين قد حذرنا من إقامة علاقات
التعامل بين المسلمين على قاعدة الغش في هذا الصدد يقول الرسول صلى الله
عليه وسلم “من غش فليس منا”.

وتصبح درجة الإثم أكبر وعقوبتها عند الله أشد إذا تعلق الأمر بالغش في
المواد الغذائية التي يعتمدها الإنسان في حياته اليومية كالمواد
الغذائية.

و بصفة عامة فقد بشر الإسلام التاجر الصدوق الذي يلتزم بقواعد الشرع في
البيع والشراء بمنزلة طيبة وأجر كبير. وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم
التاجر الأمين والصادق بمكانة مرموقة في الجنة. ويقول المصطفى عليه
الصلاة والسلام “التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين في الجنة”.

أما الحد من هذه الظاهرة فيكون بالتوعية والتحذير من مخاطر الغش والآثام
المنجرة عن ممارسته من خلال الخطب الدينية يوم الجمعات.  وبالرغم من أن
هذه الخطب موجودة لكن هذا لا يكفي والمطلوب هو تطويرها وتكثيفها وإقامة
المنابر الإعلامية في التلفزات والإذاعات واستدعاء المشايخ والأئمة
لتقديم النصائح والتوعية والتحذير من عواقب الغش في الدنيا والآخرة.

ناجية المالكي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى