في بنزرت : غازي العيادي ودرصاف الحمداني وأسماء بن أحمد ثلاثــي من ذهـب غنّـــوا وأبدعــوا فأقنعـــوا

  مواكبة الأمين الشابي
   بقيادة المايسترو محمد الأسود وكامل عناصر فرقته، أثث الثلاثي غازي العيادي، العملاق بفنّه و سعة ثقافته و تواضعه، ودرصاف الحمداني، صاحبة الصوت الشجي و أسمى بن أحمد، الصوت العذب، سهرة أمس الإثنين 5 أوت 2024 بمهرجان بنزرت الدولي أمام جمهور هام – حوالي 4 آلاف متفرج – أتى ليتذوق الفن التونسي الأصيل و ليتسلطن بأحلى ما جادت به الأصوات العذبة و الرخيمة لهؤلاء الثالوث الفنّي و الذهبي. فكانت بالفعل سهرة الفن التونسي بامتياز بعيدا عن كلّ انبتات. وكانت سهرة الهدوء والذوق والاستمتاع بالأغنية التونسية الأصيلة والنغمات التونسية العميقة، بعيدا عن فن الهش بشك والفن الهابط.

         انطلقت السهرة في حدود العاشرة ليلا، بهؤلاء النجوم الثلاثة التي أضاءت فضاء مسرح الهواء الطلق حافظ عيسى ببنزرت. كانت ضربة البداية بمعزوفة صامتة بعنوان ” مرام ” وهو نفس الاسم الذي تحمله ابنة المايسترو محمد الأسود، وذلك لتهيئة الأجواء لسهرة رائقة، لتليها أنشودة عن السلام خاصة أمام ما تعيشه فلسطين الجريحة من حرب طاحنة.

” عايروني بيك يا حمّى ” والجمهور وأسماء بن أحمد

    ضربة البداية كانت مع الفنانة، صاحبة الصوت العذب، أسماء بن أحمد التي تواصلت منذ البداية مع الجمهور بالقول ” أنا فرحانة برشا، وأنا أول مرّة نغنّي في بنزرت وأمام جمهور بنزرت الذي سمعت عنه الكثير من الأشياء الجميلة” ثمّ قدمت لجمهورها بداية أغنية ” منامة ” لتليها ” غالي والله غالي ” للمرحومة علية و” يامّا يا غالية ” و ” أسمر مسرار ” ثمّ ” هو يامّا ” لتليها أغنية “توسمّتك فيك الخير” و ” عيروني بيك يا حنّة ” وهي الأغنية التي ما انفك الجمهور يطلبها طوال ردهات الحفل. ومع تقديمها تفاعل معها الجمهور، بل هذه الأغنية تحديدا ألهبت الجمهور وأدخلت حيوة وحماس في المدارج والكراسي لا توصف. ولم يتمالك الجمهور المتعطش للفن التونسي الأصيل، فرقص كما لم يرقص أبدا وردّدها كلّها تقريبا مع أسماء بن أحمد التي تجاوبت مع الجمهور وتواصلت معه وتركت له المجال ليتفاعل مع أغانيها. فعلا كانت صوت وأداء أسماء بن أحمد من أعذب الأصوات، حيث تركت انطباعا طيّبا لدى الجمهور الذي واكب حفلها، والأكيد أنّ هذه السهرة ستبقى في ذاكرة الفنانة أسماء وهي التي قالت لجمهورها ” أتمنى أن أعود لهذا الجمهور الذواق مرّة أخرى بل مرّات…

الصوت الشّجي وكحلة الأهداب درصاف الحمداني
   المرحلة الثانية لهذا الحفل الثلاثي، أثثتها الفنانة صاحبة الصوت الشّجي، درصاف الحمداني، والتي رحلت بجمهورها إلى الزمن الجميل عبر أغنية ” ما أحلى ليالي اشبيلية ” حيث عمّ صداها كامل فضاء مسرح الهواء الطلق ببنزرت وليتفاعل معها الجمهور منذ الانطلاق انتشاء وتصفيقا وتمايلا وتلويحا بالأيادي تعبيرا عن رضاه. ولتتواصل أغانيها     ولكن تأكيدا لقيمة الأغاني التونسية الأصيلة ” واللي هي من قاع الخابية ” فكانت ” كيف يدور بيك الدهر يا مزيانة ” للمرحوم الصادق ثريا و ” كحلة الأهداب ” للمرحومة صليحة ” و ” يا قاتلتني بزينك ” للهادي الجويني و ” عزيز قلبي ما صابني ” و ” من جار علي قتلني ” لأحمد حمزة و ” يا للآّ وينك ” للكبير لطفي بوشناق و ” خاتم حبيبتي ” و ” عشيري الأوّل ” و “يا نهار البارح يا ليل اليوم”. وكأنّ درصاف الحمداني، عبر تقديمها لمثل هذه الأغاني، توجه رسالة للجمهور مفادها وأنّ أغانينا القديمة لا يستهان بها وهي الأساس لحنا و كلملة و أداء. ثمّ أبهرت الجمهور بتقديمها أغنية لها بعنوان ” حكاية ليها سنين ” وهي كما هو معروف جينيرك لمسلسل ” مذكرات امرأة ” وكم تفاعل مع هذه الكلمات الجمهور وردّدها معها بكل ما تحمله معانيها من عمق انساني. ثمّ لتتوجه للجمهور بالقول وأنّ بنزرت هي أيضا بلاد ” المالوف ” وعليه قدمت البعض من المالوف التونسي على غرار ” يا جرالي غرايب ” و ” العالم كله مشتاقون ” لتنهي وصلتها الغنائية بالتعبير عن سعادتها للجمهور بالقول ” أسعد لحظة للفنان هي عندما يغني معه الجمهور ويحفظ أغانيه “.

الكبير غازي تسلطن وغنّى ورقص والجمهور استمتع وانتشى

        الكبير غازي العيادي، قد لا نفيه حقّه إن ذكرنا كلّ خصاله الفنيّة والصوتية واللحنية وتواضعه وعمق الإحساس في ألحانه، فهو من أدّى العديد من الأغاني الجميلة وهو أيضا من كان له صيتا عربيا حيث لحّن ربما لـ 80 بالمئة من الفنانين بالشرق انطلاقا من هاني شاكر وشرين وفاضل شاكر وصابر رباعي وغيرهم وغيره من كبار الفنانين في مصر وغيرها. هذا الفنان الأصيل، هو أيضا، أبى إلاّ أن يغنّي تونسيا ويبدو أنّه أراد أن تكون، سهرته بمهرجان بنزرت الدولي، عرس الأغنية التونسية بامتياز. فكان له ذلك وشجعه الجمهور المتعطش للنغمات التونسية الأصيلة منذ اعتلاءه الركح ليصفق له طويلا. فغنى لهذا الجمهور بداية ” تكحل ” ثم ” صبرك عليّا ” و ” بعترفلك أني بحبّك ” وقد انتشى الجمهور بهذه الأغنية وردّدها معه وتمايل على أنغامها وألحانها. ثمّ ليعود للأغنية التونسية الأصلية ويقدم لجمهوره باقة أغاني جميلة على غرار ” حبيت زماني ” و ” سلطانة ” وهي أغنية جديدة يغنيها لأوّل مرّة وليختم وصلته الغنائية بكوكتيل من الأغاني التونسية الجميلة منها ” بيت الشعر ” لسيدي علي الرياحي و ” وخلوهولي ” للهادي حبوبة و ” سيدي علي عزوز ” للهادي دنيا و ” خالي بدّلني ” للمرحومة صليحة. وقد تفاعل الجمهور مع هذا الكوكتيل تفاعلا كبيرا ترديدا لكلماتها ورقصا وتصفيقا وتمايلا و انتشاء…

غازي العيادي يرحب بكلّ الأسئلة

        خلال الندوة الصحفية التي التأمت بعد انتهاء الحفل، لم يبخل الفنان غازي العيادي، كما كان أيضا الشأن بالنسبة لزميلتيه الفنانتين أسماء ودرصاف، بالإجابة على أي سؤال من أسئلة رجال الصحافة ونسائها وبكل محاملها المرئية والمسموعة والمكتوبة                 والإلكترونية. حيث قال غازي أننا وجدنا جمهور بنزرت جمهورا يحبّ الفن التونسي  الأصيل، وهذا أسعدنا  كثيرا. وعليه انخرطنا لتلبية ذوق الجمهور البنزرتي. ولكن الأهم وأننا بتقديم مثل هذا الحفل بصفة جماعية نؤكد على تضامن الفنانين وإن كان مجال الغناء، ككل المجالات، يشهد هنات، ولكن الأهم أن يتضامن أهل الفن. ملاحظا وأن الفنان الملحن له درجة خاصة في مجال الغناء والتلحين وكأنّه يحمل نجمة زائدة على المغني العادي. مؤكدا على وجود صحوة لعودة التونسي للفن التونسي الأصيل. وربما يعود هذا إلى بعض الانزلاقات التي يشهدي مجال الفن اليوم خاصة من حيث بعض كلمات الأغاني الحديثة.. وفي سؤال عن الفرق بين حفل 2009 وحفل اليوم، يقول غازي وأنّه اليوم يشعر بسعادة أكبر خاصة وأنّ الجمهور بدأ يعيش صحوة عبر الرجوع للأغاني الجميلة، طبعا مع احترامي لكل ألوان الغناء الأخرى. كما أكّد على أنّه لا يفرّق بين غازي الفنان وغازي الملحن، فقط، حسب غازي دائما، الملحن له نجمة زائدة على الفنان العادي. مؤكدا على أنّ تواجده مع أسماء ودرصاف في حفل واحد هو بداية جديدة للم شمل الفنانين بعيدا عن التفرقة، وهذا يدخل في إعادة عالم الحنين للفن الأصيل والتآخي بين الزملاء الفنانين. مضيفا وأن الموسيقى عطاء إلى آخر العمر مستدلا بالكبير لطفي بوشناق الذي مازال يعانق الغناء والميكريفون.

مقالات ذات صلة